الثلاثاء، 8 ديسمبر 2009

قصيدة رائعة للشاعر/ عبدالرحمن العشماوي ((فى فيضان جده))












لا تسألوا عن جدَّةَ الأمطارا ** لكنْ سلوا مَنْ يملكون قرارا


لا تسألوا عنها السيولَ فإنها ** قَدَرٌ، ومَنْ ذا يَصْرف الأقدارا؟


لا تسألوا عنها بحيرةَ (مِسْكِهَا) ** فَلِمِسْكِهَا معنىً يؤجِّج نارا


أتكون جدَّةُ غيرَ كلِّ مدينةٍ ** والمسكُ فيها يقتل الأزهارا؟!


لا تسألوا عن جدَّةَ الجرحَ الذي ** أجرى دموعَ قلوبنا أنهارا


لكنْ سلوا عنها الذين تحمَّلوا ** عبئاً ولم يستوعبوا الإنذارا


مَنْ عاش في أغلى المكاتب قيمةً ** وعلى كراسيها الوثيرة دارا


مَنْ زخرف الأثواب فيها ناسياً ** جسداً تضعضع تحتها وأنهارا


لا تسألوا عن بؤسِ جدَّةَ غيرَ مَنْ ** دهَنَ اليدَيْن، وقلَّم الأظفارا


مَنْ جرَّ ثوب وظيفةٍ مرموقةٍ ** فيها، ومزَّق ثوبها وتوارى


وأقام في الساحاتِ أَلْفَ مجسَّمٍ ** تسبي برونق حُسْنها الأبصارا


صورٌ تسرُّ العينَ تُخفي تحتها ** صوراً تثير من الرَّمادِ (شراراً)


أهلاً برونقها الجميل ومرحباً ** لو لم يكن دونَ الوباء سِتارا


لا تسألوا عن حالِ جدَّةَ جُرْحَها ** فالجرح فيها قد غدا موَّارا


لكنْ سلوا مَنْ يغسلون ثيابهم ** بالعطر، كيف تجاوزوا المقدارا


ما بالهم تركوا العباد استوطنوا ** مجرى السيول، وواجهوا التيَّارا


السَّيْلُ مهما غابَ يعرف دربَه ** إنْ عادَ يمَّم دربَه واختارا


فبأيِّ وعيٍ في الإدارة سوَّغوا ** هذا البناء، وليَّنوا الأحجارا؟!


ما زلت أذكر قصةً ل(مُواطنٍ) ** زار الفُلانَ، وليته ما زارا


قال المحدِّث: لا تسلني حينما ** زُرْتُ (الفُلانَ) الفارس المغوارا


ومَرَرْتُ بالجيش العَرَمْرَمِ حَوْلَه ** وسمعتُ أسئلةً وعشتُ حصارا


حتى وصلْتُ إلى حِماه، فلا تسلْ ** عن ظهره المشؤوم حين أدارا


سلَّمتُ، ما ردَّ السلامَ، وإنَّما ** ألقى عليَّ سؤاله استنكارا


ماذا تريد؟ فلم أُجِبْه، وإنَّما ** أعطيتُه الأوراقَ و(الإِشعارا)


ألقى إليها نظرةً، ورمى بها ** وبكفِّه اليسرى إليَّ أشارا


هل كان أبكم - لا أظنُّ – وإنَّما ** يتباكم المتكبِّر استكبارا


فرجعتُ صِفْرَ الرَّاحتَيْن محوقلاً ** حتى رأيتُ فتىً يجرُّ إزارا


ألقى السؤالَ عليَّ: هل من خدمةٍ؟ ** ففرحتُ واستأمنتُه الأسرارا


قال: الأمور جميعها ميسورةٌ ** أَطْلِقْ يديك وقدِّم الدولارا!


وفُجِعْتُ حين علمتُ أن جَنَابَه ** ما كان إلا البائعَ السِّمْسارا


وسكتُّ حين رأيتُ آلافاً على ** حالي يرون الجِذْعَ والمنشارا


ويرون مثلي حُفْرةً وأمانةً ** ويداً تدُقُّ لنعشها المسمارا


يا خادم الحرمين، وجهُ قصيدتي ** غسل الدموعَ وأشرق استبشارا


إني لأسمع كلَّ حرفٍ نابضٍ ** فيها، يزفُّ تحيَّةً ووقارا


ويقول والأمل الكبير يزيده ** أَلَقاً، يخفِّف حزنَه الموَّارا


يا خادم الحرمين حيَّاك الحَيَا ** لما نفضتَ عن الوجوه غبارا


واسيتَ بالقول الجميل أحبَّةً ** في لحظةٍ، وجدوا العمارَ دَمَارا


ورفعت صوتك بالحديث موجِّهاً ** وأمرتَ أمراً واتخذت قرارا


يا خادم الحرمين تلك أمانة ** في صَوْنها ما يَدْفَعُ الأَخطارا


الله في القرآن أوصانا بها ** وبها نطيع المصطفى المختارا


في جدَّةَ الرمزُ الكبيرُ وربَّما ** تجد الرموزَ المُشْبِهَاتِ كِثارا


تلك الأمانة حين نرعاها نرى ** ما يدفع الآثام والأوزارا





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق