الأربعاء، 21 مارس 2012

من مفكرة عاشق دمشقي




فرشتُ فوقَ ثراكِ الطاهـرِ الهدبـافيا دمشـقُ... لماذا نبـدأ العتبـا؟
حبيبتي أنـتِ... فاستلقي كأغنيـةٍعلى ذراعي، ولا تستوضحي السببا
أنتِ النساءُ جميعاً.. ما من امـرأةٍأحببتُ بعدك..ِ إلا خلتُها كـذبا
يا شامُ، إنَّ جراحي لا ضفافَ لهافامسّحي عن جبيني الحزنَ والتعبا
وأرجعيني إلى أسـوارِ مدرسـتيوأرجعي الحبرَ والطبشورَ والكتبا
تلكَ الزواريبُ كم كنزٍ طمرتُ بهاوكم تركتُ عليها ذكرياتِ صـبا
وكم رسمتُ على جدرانِها صـوراًوكم كسرتُ على أدراجـها لُعبا
أتيتُ من رحمِ الأحزانِ... يا وطنيأقبّلُ الأرضَ والأبـوابَ والشُّـهبا
حبّي هـنا.. وحبيباتي ولـدنَ هـنافمـن يعيـدُ ليَ العمرَ الذي ذهبا؟
أنا قبيلـةُ عشّـاقٍ بكامـلـهاومن دموعي سقيتُ البحرَ والسّحُبا
فكـلُّ صفصافـةٍ حّولتُها امـرأةًو كـلُّ مئذنـةٍ رصّـعتُها ذهـبا
هـذي البساتـينُ كانت بينَ أمتعتيلما ارتحلـتُ عـن الفيحـاءِ مغتربا
فلا قميصَ من القمصـانِ ألبسـهُإلا وجـدتُ على خيطانـهِ عنبا
كـم مبحـرٍ.. وهمومُ البرِّ تسكنهُوهاربٍ من قضاءِ الحبِّ ما هـربا
يا شـامُ، أيـنَ هما عـينا معاويةٍوأيـنَ من زحموا بالمنكـبِ الشُّهبا
فلا خيـولُ بني حمـدانَ راقصـةٌزُهــواً... ولا المتنبّي مالئٌ حَـلبا
وقبـرُ خالدَ في حـمصٍ نلامسـهُفـيرجفُ القبـرُ من زوّارهِ غـضبا
يا رُبَّ حـيٍّ.. رخامُ القبرِ مسكنـهُورُبَّ ميّتٍ.. على أقدامـهِ انتصـبا
يا ابنَ الوليـدِ.. ألا سيـفٌ تؤجّرهُ؟فكلُّ أسيافنا قد أصبحـت خشـبا
دمشـقُ، يا كنزَ أحلامي ومروحتيأشكو العروبةَ أم أشكو لكِ العربا؟
أدمـت سياطُ حزيرانَ ظهورهمفأدمنوها.. وباسوا كفَّ من ضربا
وطالعوا كتبَ التاريخِ.. واقتنعوامتى البنادقُ كانت تسكنُ الكتبا؟
سقـوا فلسطـينَ أحلاماً ملوّنةًوأطعموها سخيفَ القولِ والخطبا
وخلّفوا القدسَ فوقَ الوحلِ عاريةًتبيحُ عـزّةَ نهديها لمـن رغِبـا..
هل من فلسطينَ مكتوبٌ يطمئننيعمّن كتبتُ إليهِ.. وهوَ ما كتبا؟
وعن بساتينَ ليمونٍ، وعن حلمٍيزدادُ عنّي ابتعاداً.. كلّما اقتربا
أيا فلسطينُ.. من يهديكِ زنبقةً؟ومن يعيدُ لكِ البيتَ الذي خربا؟
شردتِ فوقَ رصيفِ الدمعِ باحثةًعن الحنانِ، ولكن ما وجدتِ أبا..
تلفّـتي... تجـدينا في مَـباذلنا..من يعبدُ الجنسَ، أو من يعبدُ الذهبا
فواحـدٌ أعمـتِ النُعمى بصيرتَهُفانحنى وأعطى الغـواني كـلُّ ما كسبا
وواحدٌ ببحـارِ النفـطِ مغتسـلٌقد ضاقَ بالخيشِ ثوباً فارتدى القصبا
وواحـدٌ نرجسـيٌّ في سـريرتهِوواحـدٌ من دمِ الأحرارِ قد شربا
إن كانَ من ذبحوا التاريخَ هم نسبيعلى العصـورِ.. فإنّي أرفضُ النسبا
يا شامُ، يا شامُ، ما في جعبتي طربٌأستغفرُ الشـعرَ أن يستجديَ الطربا
ماذا سأقرأُ مـن شعري ومن أدبي؟حوافرُ الخيلِ داسـت عندنا الأدبا
وحاصرتنا.. وآذتنـا.. فلا قلـمٌقالَ الحقيقةَ إلا اغتيـلَ أو صُـلبا
يا من يعاتبُ مذبوحـاً على دمـهِونزفِ شريانهِ، ما أسهـلَ العـتبا
من جرّبَ الكيَّ لا ينسـى مواجعهُومن رأى السمَّ لا يشقى كمن شربا
حبلُ الفجيعةِ ملتفٌّ عـلى عنقيمن ذا يعاتبُ مشنوقاً إذا اضطربا؟
الشعرُ ليـسَ حمامـاتٍ نـطيّرهانحوَ السماءِ، ولا ناياً.. وريحَ صَب
لكنّهُ غضـبٌ طـالت أظـافـرهُ


نـــــــــزار قباني
ما أجبنَ الشعرَ إن لم يركبِ الغضبا